البروتوكول لغة واصطلاحا
يعني البروتوكول في المصطلح الدارج، التقليد أو القاعدة، كما تعنى كلمة "اتيكيت" الذوق ومراعاة شعور الأخر. وقد نشأ المصطلح بشكل عام، في إطار عملية وضع قواعد السلوك الضروري عند المجتمعات المتحضرة، أو عند الطبقة الراقية في هذه المجتمعات. ثم تطور استخدام المصطلح ليشير إلى مجموعة القواعد، التي تضبط سلوك مجموعات من العاملين الذين يكون للمجاملة والذوق المتبادل دور مهم في عملهم. وهكذا ووفق هذا المعنى أصبحت قواعد البروتوكول مألوفة ومتطورة في العلاقات بين الملوك والرؤساء، وبين مبعوثيهم الدبلوماسيين والخاصين وفى المنظمات والمؤتمرات الدولية. وكلما اتسع نطاق المعاملات الدولية، أصبحت قواعد السلوك القائمة على المجاملة والذوق أكثر اتساعاً واستخداماً، مثل التحية البحرية، والتحية العسكرية للقوات المسلحة للدول المختلفة، ورموز تحية الموتى والقتلى، ثم الأعراف والمراسم والاتيكيت في مجال الزيارات، والممارسات الدبلوماسية المختلفة. وخلال الرحلة الطويلة التي استغرقها مصطلح البروتوكول والاتيكيت عبر القرون، ومن خلال ممارسات الجماعات البشرية المختلفة، استقرت مجموعة من القواعد التي تتناقلها وتتدارسها الأجيال.
وقد بدأت مراعاة هذه القواعد من الأمور المستحبة، بوصفها مبادرات لمراعاة الأخر وإنكار الذات وكلها من أخلاق الفروسية في العصور الوسطى، ومن قواعد المدنية الحديثة في الحضارة الأوربية. انتقلت مراعاة هذه القواعد إلى مرتبة الإلزام، بحيث يترتب على إغفالها أحياناً أزمات حادة في علاقات الدّول، وكثيراً ما أدى إغفالها إلى حروب حقيقية بين الدول الأوروبية، خلال القرن التاسع عشر. ولذلك بدأت مرحلة العناية المكثفة بها. وعلى الرغم من ذلك فهي ليست موثقة أو منشورة بشكل تفصيلي، كما تقل الكتابات فيها إلى حد الندرة، حتى إن العارفين بها يقتصر وجودهم على مقار أعمالهم، بوصفها ممارسات يومية تحرص إدارات المراسم في الوزارات المعنية، كرئاسة الدولة ورئاسة الوزراء، وبشكل أخص وزارة الخارجية، على توارثها وتناقلها بل وطبع دليل موجز بأهمها.
أما بروتوكولات حكماء صهيون، فهو مصطلح يشير إلى القواعد السرية التي تواعد حكماء الصهاينة على أن تكون نبراس الحركة الصهيونية، ووجود هذه البروتوكولات على أية حال يكتنفه بعض الغموض.
وإذا كانت قواعد البروتوكول قد أصبحت في معظمها قواعد عالمية، فإن جزءاً مهماً منها لا يزال، وسيظل كذلك، يحمل الطابع المحلي الخاص بكل دولة، مما يعنى أن قواعد البروتوكول العامة تسمح ببعض الخصوصيات، وفق تقاليد المجتمعات وتطورها، بما لا يُخل بهذه القواعد العامة.
وقد عرّف العرب المصطلح على أنه "الرّسوم"، المشتقة من كلمة "رسم"، أي الأمر المكتوب؛ ومثالها الآن "المرسوم الملكي" أو "الأميري"، ويعني القانون أو الأمر الملزم، بما يدل على احترام العرب لهذه القواعد، سواء في مقابلات الملوك والشخصيات الدولية المرموقة، أو رجال السياسة، أو مقابلة الناس ومعاملتهم. وقد اشتق الأتراك من "رسوم" العربية كلمة مراسم، ومن الرّسم كلمة "رسمي"، ومرسوم وهو الإرادة الرئاسية عموماً.
المصطلح في المفهوم القانوني
يُطلق البروتوكول في المفهوم القانوني، على ملحقات المعاهدة، أو الاتفاق التنفيذي للمعاهدة، أو يكون البروتوكول هو المعاهدة نفسها. كما قد يُطلق على المذكرات أو المحاضر المتفق عليها، التي يرجع إليها أطراف المعاهدة، عند الاختلاف في التفسير. ويُطلق على ملحقات المعاهدة "بروتوكولاً"، عندما تنظم أمورًا مكملة للمعاهدة، مثل البروتوكولات الملحقة بالعهدين الدوليين، للحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية لعام 1966. فقد أُلحق بكل عهد بروتوكول خاص بالتّسوية السلمية للمنازعات، كما أُلحق بروتوكول اختياري باتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961، بشأن تسوية ما ينشأ من منازعات، حول تفسير هذه الاتفاقية وتطبيقها. والبروتوكول، في هذه الحالة، مستقل وليس مكملاً للاتفاقية. وقد يتم تدارك بعض النقص في المعاهدة، في بروتوكول يُبرم بعد تاريخ إبرامها الأول بسنوات، ومثال ذلك بروتوكول 1967 المكمل لاتفاقية جنيف الخاصة باللاجئين، المبرمة عام 1951، والملحقان الدوليان المبرمان عام 1977، المكملان لاتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949، ويمثل هذان الملحقان، أو البروتوكولان الأول والثاني، تطويراً وإكمالاً للاتفاقيات الأربع. ومن البروتوكولات الشهيرة، التي تحمل معنى المعاهدة بذاتها، بروتوكول إكس لاشابيل Aixe La Chappel، المبرم عام 1818، الذي تضمن عدداً من الأعراف والقواعد في أسبقية رؤساء البعثات الدبلوماسية ومعاملتهم ودرجاتهم، ويعد علامة بارزة في تطور البروتوكول الدبلوماسي. ومثاله كذلك بروتوكول جنيف لعام 1925، الذي حظر استخدام الأسلحة الكيماوية والبيولوجية. وقد كانت كلمة بروتوكول إحدى الكلمات المرادفة لـ"معاهدة"، مع فارق واحد وهو أن البروتوكول أقل مرتبة، أو ملحق فقط أو منفذ للمعاهدة، في الوقت الذي كان فيه العرف يجري على التمييز بين المعاهدةTreaty، والاتفاقية Conventio، والاتفاق Accord، والميثاق Charter، والعهدCovenant (كعهد العصبة)، وميثاق جامعة الدول العربية [1]، والبروتوكول، والوفاق Entente، والمعاهدة البابوية Concordant وغيرها، وانصب التمييز على أساس موضوع الاتفاق سياسياً أو فنياً، وأطرافه، ودرجة إلزامه. أمّا اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969، فقد سوّت في المادة الثانية بين هذه المصطلحات. فكلها في مرتبة المعاهدة، متى توفرت شروطها "تعني معاهدة اتفاق دولي معقود بين دول بصورة خطية وخاضع للقانون الدولي، سواء أُثبت في وثيقة وحيدة، أو في اثنتين، أو أكثر، من الوثائق المترابطة، وأياً كانت تسميته الخاصة".
أهم قواعد البروتوكول ومجالات تطبيقها
تُعالج قواعد البروتوكول، طبقاً للبروتوكول الدبلوماسي، الذي يشمل قواعد سلوك رؤساء الدول والممثلين الشخصيين لهم ولدولهم. ويتم ذلك طبقاً لأربع نقاط أساسية كالآتي:
الأولى: إن البروتوكول ينصرف إلى الجزء الرسمي الإجباري، كما ينصرف إلى قواعد الذوق العامة والمألوفة، في مجال العمل الدبلوماسي والعمل الرسمي بين الدول؛ ولذلك فإن الإخلال بالجزء الرسمي يؤدي حتما إلى إضرار في مجمل العلاقات الدبلوماسية، وربما السياسية أيضا وفق درجة أهمية القاعدة والحساسية، التي تحدثها في هذه العلاقات. أما تجاهل الجزء الشخصي في هذه القواعد، فقد يقتصر أثره على إحداث تعقيدات للشخص، الذي يتجاهله، في حدود لا تنسحب إلى مجمل العلاقات الرسمية. فهناك فرق بين أن يتجاهل السفير قواعد الاتصال، مع كبار المسؤولين في الدولة المضيفة، ولو بتعليمات من حكومته، كإثارة مسائل داخلية حساسة دون التزام اللياقة الواجبة، وبين أن يتخلى السفير عن اللياقة في مناسبات مماثلة، دون أن يكون مكلفاً بإبلاغ رسالة حادة إلى الدول المضيفة.
الثانية: يختلف البروتوكول عن العلاقات العامة، كما يتفق معها في وجوه أخرى؛ فكلاهما يقع في إطار واحد، ويهدفان إلى تحقيق الانسجام في علاقات الأفراد، بما يجعل هذه العلاقات أداة لتيسير المعاملات، وليست عقبة أو عبئًا عليها. ذلك أن العلاقات وسيلة إلى غاية تعقبها، فإن تعثرت الوسيلة عزّت الغاية وتعذر تحقيقها. ولكن هذا الاتفاق والتماثل بين البروتوكول والعلاقات العامة، يجب ألا يُخفي اختلافاً جوهرياً بينهما، هو في أن البروتوكول حرفة ونظام وقواعد تمارس بشكل إجباري، ويؤدي تجاهلها إلى الإضرار بعلاقات الدول، بينما العلاقات العامة تتوجه إلى عموم الناس، ويترتب على تجاهلها تعقد العلاقات وتعثر المعاملات في قطاع معين. ويضاف إلى ذلك أن قواعد العلاقات العامة متطورة وغير محصورة،خلافا لقواعد البروتوكول بالمفهوم الرسمي، الذي استقرت عليه عبر العصور. ولا شك أن تطبيق قواعد العلاقات العامة، يُتطلب فقط في رجال العلاقات العامة. أمّا المراسم فهي قواعد مجردة يلتزم بها كل العاملين في القطاعات، التي تنطبق فيها قواعد المراسم والبروتوكول.
الثالثة: أن قواعد البروتوكول تختلف عن مدونة السلوك Code of conduct، المألوفة في المجال الأخلاقي، سواء للأطباء، أو الرياضيين، أو المعاملات التجارية، أو العاملين في وزارات الخارجية في بعض الدول، كالولايات المتحدة. فمدونة السلوك لها طابع أخلاقي معنوي، أمّا قواعد البروتوكول فهي تعالج مجالاً مختلفاً في السّلوكيات الدبلوماسية، وتنطبق على فئة خاصة، وتُعنى بالقواعد السلوكية الخارجية العامة، خلافًا لمدونة السلوك، التي تضع قواعد التعامل في مجال محدد، لتساعد أطرافه في الوصول إلى نتائج محددة. فهذه القواعد مطلوبة لتسهيل الوصول إلى غاية أبعد، بينما قواعد البروتوكول مقصودة لذاتها، وهدف احترامها قد يكون غير مباشر، وهو تفادي تأثر العلاقات السياسة بمشكلات العلاقات الدبلوماسية.
الرابعة: إن تجاهل الدولة، أو الدبلوماسي، لبعض قواعد البروتوكول، قد يدفع الدولة المتضررة إلى الرد، ويتوقف الرد على نوع المخالفة، وهل تعدّ المخالفة انتهاكاً لقاعدة قانونية، أم لقاعدة من قواعد المجاملة courtoisie، التي يجب أن تراعى فيها قاعدة المعاملة بالمثل reciprocite. فعلى سبيل المثال، فإن الدولة قد تعمد إلى تأخير موعد تقديم السفير الأجنبي أوراق اعتماده إلى رئيس الدولة، لتعبر بذلك عن موقف غير ودي تجاه دولة السفير؛ أو قد لا تدعوه إلى الحفلات الرسمية، وليس إلى اللقاءات الرسمية؛ أو قد تعمد إلى المماطلة في ترتيب المواعيد، التي يطلبها مع المسؤولين. وهذه التصرفات تدخل في إطار المجاملات، وعدم احترامها لا يعني انتهاك واجب قانوني محدد.